“أنا كمواطن لا أستطيع أن أعيش” هكذا يشعر الشاب أحمد محمد بعد ساعات من قرار البنك المركزي المصري تخفيض قيمة الجنيه المصري بنسبة اقتربت من 40 في المئة أمام الدولار الأمريكي.
فالقرار الذي تلاه إعلان اتفاق مع صندوق النقد الدولي لإقراض مصر 8 مليارات دولار، ويراه اقتصاديون الحل الأمثل لأزمة الاقتصاد المصري، يخشى البعض أن يزيد من أعباء المصريين الذين يئنون بالفعل من وطأة ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة من سنوات.
واستيقظ المصريون صباح الأربعاء على عدة قرارات للبنك المركزي، شملت رفع قيمة الفائدة على القروض والمدخرات بنسبة ستة في المئة، ورفع القيود عن استخدام البطاقات الائتمانية بالعملة الأجنبية، بالإضافة إلى تحريك سعر صرف الجنيه.
ظل المصريون يترقبون هذه الخطوات بشكل حذر منذ أشهر، وخصوصا تأثيرها المتوقع على أسعار السلع.
لماذا كانت هذه القرارات ضرورية لمصر؟
في الشهور الأخيرة، واجهت مصر أزمة حادة في توافر العملات الأجنبية، أدت لارتفاع معظم أسعار السلع، ونقص بعضها، وأنعشت السوق الموازية لأول مرة في مصر منذ سنوات، حيث تجاوز سعر الدولار في السوق السوداء ضعف سعره في البنك في بعض الأيام.
النقص الحاد جاء مدفوعا بتراجع عائدات السياحة، وتراجع تحويلات المصريين بالخارج بنحو الثلث خلال العام المالي 2022/2023 مقارنة بالعام السابق.
كما تقلصت عوائد قناة السويس بشكل ملحوظ هذا العام، بسبب أزمة الملاحة في البحر الأحمر التي نتجت عن هجمات الحوثيين على بعض السفن.
في الوقت نفسه، كانت تستعد مصر لسداد أكبر قدر من فوائد وأقساط الديون في تاريخها هذا العام، والذي قدره البنك المركزي ب 42.3 مليار دولار.
كان معدل الديون الخارجية قد بلغ أعلى مستوى له في التاريخ، مسجلا نحو 165 مليار دولار بداية العام الحالي.
لذا سعت مصر للحصول على دفعات متأخرة من القرض الذي اتفقت عليه في نهاية عام 2022 مع صندوق النقد الدولي، بالإضافة لتوسيع القرض، لكن صندوق النقد كان يصر على “سعر صرف مرن للجنيه المصري”.
يعتبر الخبير الاقتصادي علاء عبد الحليم أن هذه الخطوة تأخرت شهورا طويلة. ويقول لبي بي سي: “كان يجب على الحكومة التعامل مع الأزمة من قبل لكنها كانت بحاجة لتدفق بعض الأموال الأجنبية، كالتي دخلت البلاد مع صفقة رأس الحكمة، وهو ما أتاح للبنك المركزي المصري تحريك سعر الجنيه”.
وأعلنت الحكومة المصرية قبل نحو أسبوعين عقد صفقة وصفتها بالتاريخية مع الإمارات بقيمة 35 مليار دولار للاستثمار في مدينة رأس الحكمة الساحلية على البحر المتوسط، تسلمت منها الحكومة 10 مليارات دولار، وهو ما ساعد في خفض سعر صرف الجنيه في السوق الموازية.
على الحكومة ألا تعيد “أخطاء الماضي”
في عام 2016، واجهت مصر أزمة اقتصادية مشابهة، حيث انخفض احتياطي مصر من العملات الأجنبية بشكل حاد.
ولجأت مصر للاقتراض من صندوق النقد، وخفض قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، حيث ارتفع سعر صرف الدولار من 8 جنيهات إلى 18 جنيهاً.
يعتقد الاقتصادي خالد رمضان أن هناك فارقا بين المرتين، قائلا: “تخفيض قيمة الجنيه مختلف هذه المرة، لأن هناك عوامل مساعدة لإنجاحه. هناك استثمارات خليجية موعودة، وعوائد بالعملات الأجنبية من مشروع رأس الحكمة، بالإضافة لصندوق النقد الدولي”.
لكنه يرى أن نجاح الخطوة مرهون بأن لا تعيد الحكومة “أخطاء الماضي”، وأن عليها ألا تتوسع في المشروعات التي تستنفد الدولار دون أن يكون لها مردود اقتصادي.
القضاء على السوق السوداء لتدول الدولار أيضا سيستغرق وقتا، وفقا لرمضان، الذي أضاف أن “هناك عدة أسعار للدولار في الأسواق، هناك سعر لسوق الذهب وسعر رسمي، وسعر للسوق السوداء، وكلها ستظل موجودة حتى يتوفر الدولار بالسعر الرسمي في البنوك، وتعود الثقة بين المستثمرين والقطاع المصرفي، وتزال العوائق أمام تدبير الدولار لعمليات الاستيراد”.
كيف سيؤثر تخفيض الجنيه على المواطن؟
ينتظر المصريون حلول شهر رمضان خلال أيام، ويخشى المواطن أحمد محمد، الذي تحدثت إليه بي بي سي عربي، من أن يؤثر التوقيت الذي اتخذ فيه القرار على أسعار السلع، خصوصا السلع الأساسية.
ويقول: “لم أشتر السلع الخاصة برمضان حتى الآن. لقد صارت بمبلغ كبير. ولا أتحدث عن المكسرات وعين الجمل وغيرها، بل أتحدث عن سلع أساسية مثل الخضار والأرز”.
ويضيف: “حتى السلع التي ليس لها علاقة مباشرة بالدولار ترتفع. ما علاقة سعر الخيار بالدولار مثلا؟ أما الأجهزة الكهربائية، فإذا سألت عن سعر أي سلعة وجئت في اليوم التالي لشرائها ستجد السعر قد ارتفع أيضا”.
تعتمد مصر على السلع المستوردة بشكل كبير. وفي الآونة الأخيرة قيدت مصر حركة استيراد السلع بسبب أزمة نقص العملة الأجنبية.
بسبب هذه الإجراءات نقصت بعض السلع من الأسواق وتضاعفت أسعار بعضها عدة مرات.
ويأمل هيثم، وهو مقاول تحدثت إليه بي بي سي عربي، أن تتوافر السلع والخامات الناقصة. ويقول لبي بي سي: “ارتفاع سعر الدولار سيمنح التجار فرصة أكبر لرفع الأسعار. ليس هناك سلعة لم يرتفع سعرها. بعض الأسلاك الكهربائية ارتفع سعرها 60 في المئة الأسبوع الماضي فقط. أتمنى أن تستقر الأمور في الفترة المقبلة”.
ويقول خالد رمضان، المحلل الاقتصادي: “أتوقع أن ترتفع الأسعار بشكل فوري بسبب التعويم. هناك معركة يجب أن يخوضها البنك المركزي في الوقت الحالي ضد التضخم”.
ويرى الخبير الاقتصادي علاء عبد الحليم أن حل أزمة نقص العملة سيساعد الحكومة في التركيز على مواجهة التضخم وارتفاع الأسعار، ويضيف: “في تقديري أن الأيام الصعبة مرت وأن الآن هو وقت مواجهة المشكلة”.
لكن الأيام القادمة ستكشف أكثر عن مدى تأثير هذه الخطوة على الاقتصاد المصري وعلى المواطنين كذلك.
ظهرت في الأصل على www.bbc.com