الجمعة والسبت 7/6 جمادى الأولى 1446هـ 9/8 أكتوبر 2024م
لطالما كان للمقاهي حميمية لدى روادها، فللقهوة مذاق الحياة والرفقة أو الخلوة بالنفس، والمزاج الطيب والكتب المشتهاة كحلوى تبدد مرارتها، فلما صارت هذه المقاهي شريكاً أدبياً لوزارة الثقافة وبإشراف هيئة الأدب والنشر والترجمة تحولت لرؤية جديدة وعهد جديد يحول مساحتها إلى فضاءات وأرضها إلى سماوات وروادها إلى مدمني تلك الأجواء الحميمية الأدبية التي تكتظ بأنفاس الكتب والندوات.
حضرت مؤخراً عدداً من اللقاءات في المقاهي الثقافية وكانت مفعمة بالحراك ولقاءات المثقفين وصخب نقاشهم ولذيذ حواراتهم على اختلاف آرائهم أو تلاقيها وحضور أجيال مختلفة، وخرجت بقناعة أن فكرة المقاهي -الشريك الأدبي- استطاعت أن تنتصر على الأندية الأدبية التي كثر الجدل كثيراً حولها في السابق واللاحق، فخرجت المقاهي من التقليدية والشللية التي عرفت بها الأندية حسب رأي كثيرين وقلة الحضور، واستطاعت كسب عدد أكبر من جمهور الشباب كما روجت المقاهي للأعمال الأدبية بشكل مبتكر ووضعتها في متناول الجميع.
كان لي سعادة مشاركة عدد من الأدباء والنقاد في الرحلة الثقافية التي قام بها صالون «أدب» المتميز إلى الجوف مدينة النخل والزيتون، التي كان عناقي الأخير لها قبل سبع سنوات، تغيرت فيها كثيراً وتبدلت لتواكب رؤية البلاد ونهضتها.
الجميل في الصالونات الأدبية والملتقيات أنها لا تكتفي بندوات ولقاءات جامدة رسمية بل تتخطاها إلى لقاءات المثقفين وجولات متنوعة في المناطق إيماناً منها بدور الأديب في التعرف على تفاصيل مناطق هذا الوطن والتقاء أهل المنطقة ومثقفيها والكتابة عنها بأسلوبه الخاص، وقد حرص صالون «أدب» وأهل الجوف أن نزور دومة الجندل ومسجد العمر وقلعة المارد والبحيرة التي رغم بدء أعمال التطوير حولها إلا أننا استطعنا أن نلتقط صوراً عن بعد لها وقد كانت كمرآة كبيرة ترقرق الغيم على صفحتها ونقرت حبات المطر صفحة الماء في مشهد بهيج.
في عدد من أماكنها عانقنا الماضي الحيّ، وأقدم الحضارات الإنسانية وتراث المنطقة الذي يشهد على تاريخها، وأسرتنا مقاهيها التي لها نكهتها الخاصة فهي ليست كثيرة فحسب بل أبدع مالكوها بين تشييد مقاهٍ على النمط التراثي وأخرى حديثة، أما الأولى وقد زرنا إحداها فالديكور بين العمارة والمقاعد النجدية والقليب (البئر) في قلب المكان والجلسات الأرضية المغطاة بالزّل، والفوانيس والأغاني الشعبية التي تنبعث من مذياع قديم.
يوم استثنائي أمضيناه في الجوف كان وجهة لقوافل الثقافة والأدب ثم قوافل الشتاء والغيم؛ سورتنا الجبال الممتدة على مرمى البصر والمنيرة بأنوار زرعت في أحضانها في مشهد بديع ليلاً يتناوب البرق وأنوار المدينة على جعل المكان ساحراً بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
القصائد والسامري والكلمات الترحيبية وتطلعات المثقفين والمثقفات كانت كفاكهة صالون أدب في الجوف والزخم الإعلامي الذي واكب الزيارة في إشارة إلى أن الإعلام ملازم للثقافة فهو المرآة التي تعكس هذا المشهد وتنقله لمساحة أوسع تتعدى محيط الفعالية.
ملاك الخالدي الشاعرة التي عرفتها في باكورة مشوارها الأدبي والتقيتها في الجوف ولها من الإصدارات أربعة تقول إن المقاهي لا تحل محل الأندية.
وشقراء المدخلية من شاعرات جازان النجيبات تعتقد أن الجمهور النخبوي لا يحضر في المقاهي، وبين هذا الرأي وذاك الذي بدأت به فإن الفيصل لنتاج الاثنين وقطاف الجهود في المحصلة يصبّ في المشهد الثقافي ويخدم المثقف والجمهور، وتعدد منصات الإبداع يمكنها أن تثري المشهد ولا تنقص منه.
د. عبدالله السفياني ودع وقافلة «أدب» الجوف معلناً المجمعة محطة «أدب» القادمة، المجمعة وما أدراك عن تراثها وطبيعتها ومتاحف أهلها المخلصين لتاريخ منطقتهم!، والقافلة تسير.
ظهرت في الأصل على www.alriyadh.com