وظل الأدب الجزائري منقسما حسب الظروف التاريخية بين اللغتين العربية والفرنسية، في حين استمر الاحتلال الفرنسي للجزائر من سنة 1830 إلى 1962، رغم الفارق الزمني الذي يقارب نصف قرن بين أول رواية بالفرنسية “الخيال” للكاتب. أحمد بن شريف (1921)، وأول رواية باللغة العربية “ريح الجنوب” لعبد الحميد بن حدوقة (1970).
وظل الجزائريون الذين يكتبون بالفرنسية يتطلعون إلى المسرح الفرنسي، على أمل الفوز بجائزة تزيد من ثرواتهم المالية والأدبية. بينما يتطلع من يكتبون باللغة العربية إلى المشهد العربي في بلاد الشام، في ظل ندرة الجوائز الأدبية، خاصة في الجزائر.
سترة ألبير كامو
معدلة كمال داود وفي الجزائر، من خلال مقالاته الحادة في «وهران ديلي»، والتي جمعت فيما بعد في كتاب بعنوان «لقد رأينا رأيك» من تأليف «دار الغرب». لكن بدايته الحقيقية كانت من خلال رواية «ميرسو: تحقيق مضاد» (دار البرزخ 2013) و(دار النشر الفرنسية قانون سود) 2014، والتي عرف فيها الكاتب نفسه برواية «الغريب» للفرنسي ألبير كامو . ولد بالجزائر عام 1913، وحصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1957.
إشادة غربية وحظر جزائري
ولم تمر سوى أشهر قليلة قبل أن تدخل الرواية في دائرة الضوء والجدل من قبل المؤلف الذي كتبها في الأربعينيات من عمره، كما غطتها وسائل الإعلام العالمية الرائدة مثل مجلة فايننشال تايمز، ومجلة نيويورك تايمز بوك ريفيو، ومجلة نيويوركر. صحيفة “جديدة وعظيمة ومبتكرة” و”أفضل رواية شرق أوسطية في العصر الحديث”.
من ناحية أخرى، منعت السلطات توزيعه في المكتبات الجزائرية والمشاركة في المعرض الدولي للكتاب الذي انطلق في الجزائر الأربعاء “لأنه في التسعينيات لم يميز بين السلطة الحاكمة والجماعات المسلحة، بل امتد إلى نطاق واسع”. قطاع النخبة المتعلمة.”
وأصدر زعيم “الصحوة الإسلامية” في الجزائر عبد الفتاح حمادوش فتوى تطالب الحكومة بإعدام الكاتب. ووصفه بأنه “مرتد ومنحرف ومنكر لدين الله ورسوله”، من خلال فقرات قطعها من الرواية، وهي في الأساس جمل من ألسنة بعض الشخصيات. الأمر الذي دفع الكاتب كمال داود إلى تقديم شكوى إلى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، مرفقة بشكوى. من خلال توقيعات دعم من قطاع واسع من المثقفين والناشطين في الجزائر.
إيقاع رصين
الشهرة الواسعة لم تجعل كمال داود يندفع ويسيء إلى شهرته في نشر روايات قريبة من العصر. انتظر ثلاث سنوات قبل أن ينشر روايته الثانية «المزامير» التي واصل فيها العمل على موضوع الاغتراب. داخل مجتمع رآه متناقضاً ومنحازا للماضي، وتعليق مشاكله واختلالاته.
تمثل الروايتين شوق شاب عربي مسلم، هو إلى حد ما كمال داود نفسه، باعتباره إسلاميا، قبل أن ينخرط فكريا وعاطفيا في اللغة والثقافة الفرنسية، للتحرر بالمعنى الأوسع للكلمة. . ولن تكون البداية من وجهة نظره إلا بالقفز على اللغة الموروثة، إذ أن اللغة لها موطن في لغة الفيلسوف الألماني هايدغر، واستبدالها بلغة فيها حداثية وإنسانية وحضارية. وظهرت خطابات مكدسة، ولم تكن تلك اللغة سوى الفرنسية.
رواية التتويج
جسد كمال داود الرغبة في التحرر مما يسميه “الخيال القاتل” في روايته الثالثة “الحوريات” التي نشرتها دار غاليمار. والمتوج جائزة غونكور 2024، من خلال الفتاة «فجر» التي خرجت من مجزرة ارتكبها الإرهابيون في الجزائر عام 1999، بإعاقة أفقدتها صوتها، في إشارة إلى كبت صوت المرأة وفكرها وكيانها ورغباتها. فأخذت تحكي لطفلتها التي في بطنها «حورية» مبررات إجهاضها حتى لا تنضم إلى مجتمع لن يراها أبدًا خارج نطاق رغباته الجسدية.
اختبار واحد
وركز النص على مناجاة داخلية بين البطلة وجنينها، مما جعلها محاكمة أحادية الجانب ضد المجتمع الجزائري، لم يسمح فيها لبقية الأصوات بالظهور والتعبير عن آرائها، رغم أن القارئ العربي العادي وبالنسبة له فإن القارئ الغربي الخاضع لأحكام جاهزة فيما يتعلق بالفضاء والخيال الإسلامي لا يشعر بالحاجة إلى ذلك تحت وطأة سحر السرد الذي ينتج تعاطفا عفويا مع الضحية.
ورغم أن داود استخدم فيها أدوات صحافية، إلا أنه في روايته الأولى، إذ كانت تقوم على التحقيق في جريمة ما، وفي روايته الثانية استخدم سيرته الذاتية، وفي رواية «حريات» استخدم مواقفه السياسية التي كان من أجلها عرف بمقالاته ومنشوراته وحواراته التي شن فيها هجوما على العرب والعروبة والإسلام والمسلمين، بلهجة تعميمية توقعت بالضرورة أن يكون الكاتب تعسفيا.
التفاعل الجزائري
يقول الكاتب والأكاديمي سعيد بوطاجين: “قبل أن تحصل على بعض الجوائز العربية والأوروبية، عليك أن تتخلى عن الكثير من معتقداتك الفكرية والدينية والعقائدية والإنسانية والفنية وتخضع لجماعات الضغط، ويجب عليك أيضًا أن تبتعد عن تاريخك وأمتك على النحو التالي: الاستهزاء بلغة شعبك ورموزه، وتشويه علمائه وتراثه ودينه، واعتبار من له الحق إرهابيا.
وفي سياق مضاد، يقول الروائي سمير قاسمي، الذي ترجمت العديد من رواياته إلى الفرنسية ونشرت في فرنسا: “إن عدم رضا الجزائري عن نجاح غيره من الجزائريين هو سلوك متأصل في المثقف الجزائري، والمسألة تظهر على الإنترنت. أحياناً يتألق أحدهم، لكنه يظهر في أبشع صوره عندما ينجح كاتب يحتقر المؤسسة وتعجز المنابر عن تحقيق ذلك».
قرن وربع من الإشعاع
ومن المعروف أن جائزة غونكور تأتي في مقدمة الجوائز الفرنسية التي تستقطب اهتمام الكتاب الفرنسيين ومن بينهم الكتاب الجزائريون.
تم إنشاء “غونكور” عام 1903، تكريما لأخوين كاتبين شاركا في كتابات واقعية في القرن التاسع عشر، وهما إدموند وجول دو غونكور، وتمنح سنويا، بناء على رغبة الأول، للأفضل والأكثر إبداعا. كتاب السنة.
والأكاديمية المشرفة على الجائزة التي يشارك فيها عشرة أعضاء، انتظرت 84 عاما حتى تفتح أبوابها أمام الكتاب الفرنسيين من العالم العربي والإسلامي، فمنحتها أولا للمغربي طاهر بنجلون عام 1993 ثم لللبناني أمين معلوف. ثم الأفغاني عتيق رحيمي (2008)، ثم المغربية ليلى سليماني (2016)، ثم السنغالي محمد مبوجار سار (2021)، ثم الجزائري كمال داود عام 2024.