يحتفل جمهور الغناء العربي بالذكرى التسعين لميلاد جارة القمر التي أمتعت جمهورها بالغناء الأصيل على مدى عقود حتى أصبحت أغانيها أيقونات الحب والرومانسية.
هي “سفيرة النجوم لنا”، “أسطورة العرب”، “ياسمينا الشام”، “ملكة الأغنية العربية”، “طائر الشرق”، “الصوت الساحر”، “السيدة” “الصباح” و”صوت الأمم” و”الصوت الملائكي”. بعض ألقاب الفنانة اللبنانية الكبيرة فيروز التي واصلت إدخال البهجة والهدوء على الناس بصوتها الجميل.
فتحت أجيال عديدة أعينها هذا الصباح على صوت فيروز التي لا تزال نعومتها وجمالها تثير مشاعر الفرح والحب والحنان في نفوس المستمعين.
تربية متواضعة
ولدت فيروز واسمها الأصلي نهاد حداد عام 1934 في منطقة زقاق البلاط الشعبية في بيروت لعائلة مسيحية. يعود والدها، وديع حداد، إلى مدينة ماردين في جنوب شرق تركيا حاليًا. وعمل في مطبعة صحيفة “لوريان لو جور” اللبنانية التي لا تزال تصدر باللغة الفرنسية إلى يومنا هذا، ووالدتها مسيحية لبنانية مارونية تدعى ليزا البستاني.
التحقت نهاد بمدرسة القديس يوسف للبنات في بيروت، إلى أن اضطرت ظروف الحرب العالمية الثانية والدها إلى نقلها إلى مدرسة رسمية.
في عام 1947، عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها، اكتشفها محمد فليفل، أحد مؤسسي المعهد الوطني للموسيقى في بيروت، عندما كان يبحث عن مواهب لمجموعة كورالية مشكلة حديثًا. اعتنى الأخوان فليفل بفيروز جيداً، ونصحوها بعدم تناول أي شيء قد يؤدي إلى إتلاف أحبالها الصوتية. كما قدموا فيروز إلى معهد الموسيقى ووعدوها بتحمل تكاليف دراستها حيث درست لمدة أربع سنوات.
راديو لبنان
وكان للأخوين فليفل الفضل في تعليم فيروز أساسيات التجويد وما يحتويه من أوضاع لحنية، مما ساهم في تطوير صوتها وأدائها.
وبعد أربع سنوات من الدراسة في المعهد، اجتازت فيروز مسابقة اختبارية صوتية، حيث أعجب الموسيقار حليم الرومي بصوتها، وقدم لها مجموعة من الألحان التي رددت بشكل جيد. وأطلق عليها اسم فيروز الذي حملته منذ ذلك الحين.
بدأت مسيرتها الغنائية كعضو في فرقة الإذاعة اللبنانية. وقد رعاها الرومي، ثم ملحناً ومخرجاً إذاعياً، بعد أن أعجب بموهبتها الفريدة. ولحن لها أغانيها الخاصة وأطلق عليها الاسم الفني فيروز لأن صوتها كان يشبه الحجر الكريم في رؤيته.
حققت فيروز نجاحاً كبيراً مع المستمعين في جميع أنحاء لبنان. التقت فيروز بالأخوين رحباني عاصي ومنصور، اللذين كانا من المواهب الناشئة في مجال التلحين والشعر الغنائي آنذاك.
ورغم أن الأخوين حاولا الجمع بين أنغام الرقص الغربي والغناء العربي، إلا أن الأغنية التي حققت نجاحاً كبيراً كانت أغنية حب حزينة بعنوان “العتاب”، سجلاها عام 1952 في إذاعة دمشق.
وفي يوليو 1954، تزوجت فيروز من عاصي الرحباني، وحضر حفل زفافهما حشد كبير من المعجبين. عاشوا في بداية حياتهم في بلدة انطلياس المطلة على بيروت.
عاصمة الفن
وفي عام 1955، سافرت فيروز وعاصي إلى مصر لأول مرة. وكانت القاهرة في ذلك الوقت لا تزال عاصمة المسرح والسينما والأغنية العربية، وقد حظي المغني الشاب بنجاح كبير هناك، حيث تلقى العديد من العروض من ملحنين ومخرجين مصريين مشهورين. لكنها بحلول ذلك الوقت كانت حاملاً بطفلها الأول، وعادت إلى لبنان وأنجبت ابنها الأكبر زياد في كانون الثاني/يناير 1957.
وبعد ذلك أنجبت أربعة أطفال، ثلاث فتيات وصبي. لكن زياد كان الأقرب إليها، وفي السنوات اللاحقة كتب ولحن العديد من أغانيها.
غنت فيروز للمرة الأولى علناً في صيف عام 1957 خلال مشاركتها في مهرجان بعلبك السنوي، حيث غمرت الجمهور مدرجات معبد جوبيتر الروماني. وحتى ذلك التاريخ كانت فعاليات المهرجان مقتصرة على العروض الأجنبية. وقلّدها رئيس الجمهورية كميل شمعون وسام الفروسية اللبناني المرموق تقديراً لإنجازها الفني.
وبعد ذلك، أصبحت فيروز ركناً أساسياً من عروض المهرجان، حيث توافد آلاف الأشخاص من لبنان وأماكن أخرى إلى المهرجان لمشاهدة أحدث المسرحيات والعروض الموسيقية التي كتبها وألحان الأخوين رحباني.
توقف المهرجان السنوي مع اندلاع الحرب الأهلية عام 1975.
انتشرت شهرة فيروز خارج لبنان، وأصبح لها الآن معجبون في جميع البلدان العربية والمهجر. وتدفقت العروض من الموسيقيين والملحنين والشعراء من جميع البلدان. كما قدمت حفلات في معظم الدول العربية والعواصم والمدن الكبرى حول العالم مثل نيويورك وسيدني وسان فرانسيسكو ومونتريال ولندن وباريس.
ومنحها العاهل الأردني الراحل الملك الحسين وسام الشرف عام 1963 والميدالية الذهبية عام 1975.
غنت فيروز للحب والغربة والطبيعة والوطن والقدس القديمة وفلسطين.
كما غنت أشكالًا مختلفة من الأغاني والقصائد والموشحات والمقام والموال والعتبة والمغنية والفولكلور.
وبلغ عدد المقطوعات الموسيقية التي قدمتها فيروز 22 عملاً، بالإضافة إلى ثلاثة أفلام موسيقية أخرجها المصريان يوسف شاهين وهنري بركات. من أفضل وأشهر أغاني فيروز التي عرفها الجمهور من خلال مسرحياتها: جسر القمر عام 1962، بياعة الخواتم عام 1964، عجلات الحب عام 1965، والمحطة 1973.
وفي عام 1967 قدمت فيروز مسرحية «هلا والملك» من إعداد وإخراج الأخوين رحباني، والتي تدور أحداثها في المدينة وليس في القرية، كما جرت العادة في مسرحياتها السابقة. وشارك في الحفل المطربون الراحلون نصري شمس الدين وملحم بركات وإيلي الشويري وجوزيف ناصيف.
رفضت فيروز مغادرة لبنان خلال الحرب الأهلية وبقيت في بيروت، ونأت بنفسها عن أجواء الصراع الداخلي لكنها واصلت الغناء للبنان وشعبه. وعاشت فيروز في بيروت الغربية التي كانت تحت سيطرة الأحزاب والقوى القومية واليسارية، فيما كانت القوى المسيحية تسيطر على بيروت الشرقية آنذاك. أوقف المقاتلون الحرب ليتمكن الناس من المشاركة في تشييع عاصي الرحباني عام 1986، حيث نُقل جثمانه إلى بيروت الشرقية للصلاة عليه ودفنه في الكنيسة.
وكانت صحة عاصي قد تدهورت قبل وفاته بعدة سنوات. بدأت فيروز تتعاون مع ابنها زياد الذي كتب ولحن لها عدداً من المجموعات الغنائية، بدءاً بـ«أنا أعرفك» عام 1987 و«كيف حالك» عام 1991.
في عام 1973، لحن زياد أغنية “سألني الناس” وهو في السابعة عشرة من عمره. وحققت الأغنية نجاحا كبيرا وأذهل الجمهور بالرصانة الموسيقية التي كان يتمتع بها زياد البالغ من العمر سبعة عشر عاما والذي كتب لوالدته مثل ألبوم “وهدان” عام 1979 وألبوم “معرفتي بك” عام 1987 وألبوم “معرفتك” عام 1987. “كيف حالك” من عام 1991، من أبرز المقطوعات الموسيقية التي غنتها فيروز. “نزول السرور” من ألحان زياد عام 1974 وسبقتها مسرحية “سهرية” عام 1973.
في التسعينيات، أصدرت فيروز ستة ألبومات (اثنان على شرف الملحن الراحل فليمون وهبي)، وثلاثة ألبومات لزياد الرحباني وألبوم على شرف عاصي الرحباني من إعداد زياد الرحباني.
صدر ألبومها الأول في الألفية الجديدة “ولا كيف” عام 2002، وفي 28 كانون الثاني/يناير 2008 غنت فيروز في دار الأوبرا بدمشق حيث لعبت دور البطولة في المسرحية الموسيقية “صح النوم”. أكثر من عشرين عاماً من الغياب عن سوريا ضمن احتفال صنفته اليونسكو ذلك العام عاصمة للثقافة العربية.
صدر ألبوم “في أمل” في 7 تشرين الأول 2010، وهو من كلمات وإعداد زياد الرحباني. أما ألبومها الأخير فكان بعنوان “بابالي” وصدر في 22 أيلول 2017، وهو من إعداد ابنتها ريما الرحباني. تلقى الألبوم بعض الانتقادات لاقتباسه ألحانًا وكلمات من الأغاني الغربية الشعبية.